............. تابع ............
فلا تحزنوا يا أهل الصمود في غزة، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}، لا تحزنوا إن حاصرتكم كل قوى الشر والبغي والظلم والقهر والخيانة، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
فصبرًا صبرًا يا أهل غزة، لا تحزنوا إن قطعوا عنكم الطعام والشراب والدواء، فالله مولاكم وهو كافيكم وناصركم، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}. لا تحزنوا فالله معكم، فما ظنكم بمن كان الله معه، فأبشروا بالسكينة والنصر، {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
تذكروا يوم أحد يوم أن تعرض الرسول الكريم ليوم عصيب كيومكم هذا أو أشدّ, وقتل من صحابه سبعون شهيدا، وجرح الكثيرون، وأصيب الرسول الكريم في وجهه وكسرت رباعيته ونزفت الدماء الطاهرة، فنزلت البشارات الإلهية والنفحات الربانية: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
فلا تهنوا ولا تحزنوا وقروا أعينًا، واعلموا أنكم شرف الأمة وفخرها وما تبقى من عزها.
وتذكروا حينما انتهى يوم أحد وكان أشد يوم لقيه المسلمون ومعهم رسول الله وهم خير من سار على وجه الأرض، وباتوا ليلتهم وهم في أدنى درجات القوة، فهم ما بين جريح ومكلوم، وأتاهم من يخوفهم من قريش ويتوعدهم بالمزيد من الضربات ويقول لهم: إن قريشا تجمع الجيوش وتعد العدة لحرب إبادة، فما كان منهم إلا أن لجؤوا إلى الله واعتصموا بحماه وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل،
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل}،
فكان جزاؤهم: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.
وها هي التهديدات تتوالى عليكم، تهددكم وتتوعدكم بالمزيد من الضربات والهجمات بالطائرات والدبابات والزوارق، فاعتصموا بالله، وأكثروا من التقرب إليه والتذلل بين يديه، وقولوا مثل قول أسلافكم وقدواتكم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل، هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
فإذا لقيتم عدوكم فاثبتوا وأكثروا من ذكر الله، فنحن لا ننتصر بعدد ولا عدة،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وتذكروا إذ تحزب الأحزاب على نبيكم وقرة أعينكم وهاجموا المدينة بأضعاف عددها يوم الخندق، وحاصروها على أهلها واشتد الكرب وعظم الخطب وزاد الخوف،
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا}،
فما هي إلا لحظات قليلة فينتقل المؤمنون من الخوف إلى الأمن، ويثبتون بحسن صلتهم بالله، ويعظم يقينهم بنصر الله عندما يرون المحنة تشتد وحينما يتجمع الأحزاب من كل صوب،
{وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
لقد تشابه موقفكم مع موقف سلفكم الصالح، فما تشعرون به اليوم من التعب والنصب والجوع والبرد هو نفسه ما لاقاه الصحابة الأطهار، فاستمِعوا لنبيكم يناديكم كما نادى إخوانكم من قبل، فيقول أنس رضي الله عنه: خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: ((اللهم إن العيش عيش الآخرة، فأغفر للأنصار والمهاجرة))،
فقالوا مجيبين له:نحن الذين بايعوا مُحمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا
يا أهل غزة، لا يغرنكم المنافقون وضعاف النفوس، ولا يوهنكم تخاذلهم، فما أكثرهم حولكم في الداخل والخارج! فوجود أمثالهم ضرر لكم ومعوق لعملكم
كما قال الله: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأََوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
واعلموا أن الشهادة هي أعظم المراتب والقرب وأشرف المنازل، ولا ينالها إلا من يختاره الله سبحانه، {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : "للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم